بقلم: مزمل عثمان العلوي
ومن المعترف به أن تشييد قصر شامخ يحتاج إلى فن رائق وكفاءة ومقدرة، والمادة الأولية من أخشاب وحديد وأحجار وغيرها ليست كل شيء في تشييد البناء، وإن كانت تقوم عنصرا هاما لإقامته، فتكوين القصر له هندسة خاصة وطرق معينة في استغلال المادة الأولية التي يجب الحصول عليها بادىء ذي بدء، وهذا مثال يبين لنا الجهد الذي يستلزمه تكوين وطن إسلامي وبه مجتمع إسلامي حتى بعد أن يربى الفرد المسلم، ويعد ليكون عنصرا صالحا لبناء هذا المجتمع، فلبناء المجتمع فلسفة خاصة بجانب إعداد الأفراد الذين سيتكون منهم.
والحسن الحظ بنى الرسول بنفسه الوطن الإسلامي والمجتمع المحمدي الأول، فعلمنا كيف يتكون الوطن والمجتمع الإسلامي، وما الأسس التي يجب أن تتوفر فيه؟ وأكثر من ذلك، فالمجتمع الذي بناه الرسول كان في ظروف صعبة، ومن هنا احتاج إلى جهد أكثر من الجهد الذي يبذل لبناء مجتمع إسلامي وتأسيس وطن إسلامي في ظروف عادية، لقد بنى الرسول المجتمع الإسلامي الأول بالمدينة عقب هجرته إليها من مكة، فلننظر كيف بناه؟ ثم لنسر مع هذا المجتمع الإسلامي لنرى كيف نما؟ وكيف أصبحت المدينة بلدة ضمنت بلدة ضمنت بلاده العديدة وأقطاره الفسيحة.
جاء محمد صلى الله عليه وسلم والحال قد أحاط بالبشرية ظلام حالك، ونشطت الترهات وانزوت الأفكار السليمة، ودب الجهل وانكمش العلم وعم اليأس وقل الأمل، وأوشكت الإنسانية أن تفقد كل ما حققته الأجيال الطويلة من تقدم، وأن تتردى في هوة سحيقة هي إلى عالم الحيوان أنسب.
وكان ظهوره في جزيرة العرب القاحلة الجرداء التي قلت فيها الحضارة والرقى، وكثرت الحروب والغارات، جاء عليه السلام فكون في هذا المجتمع وفي هذه الجزيرة المتنافرة أول مجتمع إسلامي وأول وطن إسلامي.!! كيف كونهما؟ وما مظاهر ذلك المجتمع والوطن؟؟…
وينبغي قبل كل شيء أن يتضح أن المجتمع الإسلام والوطن الإسلامي الأول تكون في المدينة لا في مكة. فقد كان المسلمون قبل الهجرة يقومون بمكة قليلا، يعيشون فيها أحيانا ويهاجرون منها فرارا بدينهم أحيانا أخرى. فلم يكونوا من القوة ولا من العدد بحيث يكونون مجتمعا ووطنا، وعلى هذا فلم تكن مكة هي الوطن الإسلامي الأول، وإنما كانت يثرب هي الوطن الذي تكون به أول مجتمع إسلامي.
تكوين الفرد المسلم بمكة
ولكن شيئا هاما بدأ في مكة: ذلك تكوين الفرد المسلم، الذي منه تكون فيما بعد المجتمع الإسلامي والوطن الإسلامي بالمدينة، وتكوين الفرد المسلم الذي بدأ في مكة عملية هامة جدا في التاريخ. وإنه لمن أبرز الأهداف التي حققها الإسلام بل حققها بسرعة، هو تحويل الرجل العربي إلى رجل مسلم، وليست المسألة أن العربي أصبح مسلما ولكنها أعمق من هذا بكثير، لأن الإسلام غير الشخص العربي تغييرا شاملا حتى كأنه خلقه خلقاجديدا.
التقى في المدينة عقب الهجرة عناصر، أهمها الطوائف الثلاثة الآتية:
1.المهاجرون، وهم الذين فروا بدينهم من مكة إلى المدينة
2.الأنصار، وهم الذين دخلوا الإسلام من سكان المدينة الأصليين
3.اليهود، وهم بقية من بني إسرائيل مع من تهود من العرب
ويدخل مع كل صنف من هذه الأصناف قبائل وجماعات كان بعضها يعيش في حياة شبه بدائية، فكان على الرسول أن يكون من هذه الطوائف مجتمعا سليما يضع له تربيته ونظم حياته، يهذب نفسه وروحه، و ينظم سلوكه ومعاملاته، وعلى الجملة يجمع في تشريعاته وسياسته خير الدين والدنيا. واتجهت فكرة الرسول إلى غاية سامية، هي حجر الزاوية في تكوين المجتمع الإسلامي، وهي تكوين أسرة جديدة من المسلمين تحل محل الأوس والخزرج ومحل بني عبد مناف وبني هشام وغيرهما. وتكوين هذه الأسرة الإسلامية هو المجتمع الذي تسوده روح الإسلام ويتعاون أعضاءه – أيا كانت ديانتهم – فيما يحقق الخير للجميع، فلنتتبع خطوات الرسول التي بذلها لتحقيق هذه الغاية:
أولا – المسجد ملتقى المسلمين
كانت أولى الخطوات التي قام عليها الرسول لتكوين المجتمع الإسلامي بناء مسجد المدينة، ولم يكن الهدف الأسمى لبناء المسجد إيجاد مكان للعبادة فحسب، فالدين الإسلامي يجعل الأرض كلها مسجدا للمسلمين، ولكن مهمة المسجد كانت أعمق من هذا وأقوى، لقد أراد الرسول فيما يبدو لي أن يبنى مكانا لا ينتمي لهذه القبيلة أو تلك، ولا يجتمع فيه أفراد من أسرة خاصة، بل أن يشيد مكانا يؤمه الجميع، هو بيت الله أو بيت الجميع، وفي هذا البيت يلتقي المسلمون للعبادة والمشاور، وللقضاء وللتجارة وللسمر، وفيه يلتفون حول الرسول يأخذون عنه مبادئ الدين، ونظم المجتمع الجديد، وآيات القرآن الكريم، وفي هذا المكان أو هذا المنتدى أو هذه المدرسة أو هذا المسجد ستمتزح النفوس والعقليات، وتقوى الواحدة وتتآلف الأرواح،و منه سينبعث الأذان خمس مرات في اليوم يعطر جو المدينة، ويعلن أن كلمة الله أصبحت الكلمة العليا.
وتدلنا الروايات التاريخية على أن أهل المدينة كانوا يتخذون المسجد ندوة لهم، يجتمعون فيه للسمر ولإنشاد الشعر، وللحديث في شئون التجارة، بجانب العبادة والقضاء والتعليم حتى كان لفظ المتسامرين والتجار أحيانا يعلو على أصوات المصلين وللقضاء، مما جعل عمر يخصص مكانا بجانب المسجد متصلا به لمثل هذه الأحاديث، ليبقى المسجد خصيصا للعبادة والقضاء والتعليم.
ثانيا – المؤاخاة بين المسلمين
ومع بناء المسجد خطا الرسول خطوة أخرى، لها خطرها العظيم في تكوين المجتمع الإسلامي في المدينة، وتلك الخطوة هي المؤاخاة بين المسلمين. ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ٧٢﴾)الأنفال: 72 )
ولم تكن المؤاخاة التي حصلت مؤاخاة بين المهاجرين من جانب والأنصار من جانب آخر كما يظن بعض المؤرخين، وإنما تم بعضها بين مهاجر ومهاجر، وبعضها بين أنصاري وأنصاري، والكثير منها بين مهاجر وأنصاري. وقصد الرسول بذلك أن يقرب أيضا بين الأوس وبين الخزرج، إذ كانت الحروب بينهما قريبة عهد، وأن يقرب بين بعض قبائل المهاجرين وبين البعض الآخر، كما قصد أيضا أن يؤكد المساواة في الإسلام بطريقة عملية؛ آخى بين أفراد من أعظم القبائل العربية وبين بعض الموالي والعبيد، وفي ضوء هذه المبادئ دعا الرسول المسلمين ليتآخوا في الله أخوين أخوين.
وبهذه المؤاخاة انصهرت هذه المجموعات وهؤلاء الأفراد في بوتقة الإسلام، وتشكلت منها أسرة إسلامية جديدة متحابة متعاونة، يربطها رباط التوحيد وتقوى بينها مواثيق الحب والتعاطف، وقد نسي كل من هؤلاء نسبه وعصبيته ونزاعاته الجاهلية، وتطلعوا جميعا إلى النسب السامي، وهو العلاقة الإسلامية والرباط الديني المتين. ومن العجيب أن الزمن مر، وتتابعت الأحداث، وتغيرت الظروف التي دعت للمؤاخاة في هذا الوقت العصيب وهذا المحيط الضيق، ولكن هؤلاء الإخوة لم ينسوا المؤاخاة التي عقدها الرسول بينهم.
ثالثا – المعاهدة بين المسلمين وغير المسلمين
جعل الدين الإسلامي توحيد الله أساسا قديما يمكن أن يتعاون في ظله أتباع الديانات السماوية المختلفة قال الله تعالى:﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ٦٤﴾ (آل عمران: 64). فإذا ارتقى الإنسان بإنسانيته، وسما بعقله وروحه، ترفع عن عبادة الصنم والحيوان والشمس والقمر، وآمن بالله وحده، يهوديا كان أو نصرانيا أو غير ذلك تربطه صلة قوية بمن شاطره هذه العقيدة وإن اختلف معه في الدين.
وفي ضوء هذا المبدأ، عقد الرسول معاهدة بين المسلمين وبين اليهود وأقليات أخرى صغيرة كانت تعيش في المدينة، وتعتبر هذه المعاهدة من أنفس المعاهدات الدولية وأمتعها وأجدرها بتقدير الناس جميعا على اختلاف أديانهم، وهي بالإضافة إلى ذلك تغير السبيل للمؤمنين، وتبين لهم كيف يتعاونون مع أتباع الأديان السماوية الأخرى، ويكونون معهم وحدة تتمتع كل مجموعة فيها بالحرية الدينية.
رابعا – القدوة الحسنة
هناك عامل كان له أثر خطير في تكوين المجتمع الإسلامي الأول والسير به قدما إلى الأمام، وذلك العامل هو القدوة الحسنة التي تمثلت في الرسول صلوات الله وسلامه عليه، لقد بنى الرسول المسجد ليكون مجتمعا واحدا للمسلمين، وآخى بين أتباعه ليوحد بين قلوبهم وليكون منهم أسرة إسلامية واحدة، ووضع المعاهدة سجلا دستوريا يتبعه سكان المدينة من المسلمين وغير المسلمين حتى يعرف كل حقه والواجب عليه، ولكن كان هناك معين أسمى من الواجب، وكان بعيد الأثر في تكوين مجتمع إسلامي رائع، ذلك هو القدوة الحسنة التي تمثلت في خلق الرسول صلوات الله عليه، ففاض عليهم بإرشاده وتهذيبه وأدبه، وذلك الأدب الذي وصفه الرسول بقوله ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) وذلك الخلق الذي قال الله سبحانه جل وعلا في محكم تنزيله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ٤﴾)القلم: 4(،﴿فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: 159). وهكذا كانت أخلاقه هديا لهذا المجتمع الجديد، وكانت صفاته قوة ربطت هذا المجتمع برباط وثيق، وكانت قيادته ملهمة الخير لهذه الأمة الجديدة، ونحن هنا نقتبس من صفات الرسول بعض العناصر التي كانت بعيدة الأثر في سير سفينة هذا المجتمع في خضم الحياة بنجاح وفوز.
وفي معاملته لأتباع الأديان الأخرى لم يتقيد فقط تجاههم بما التزمه في الوثيقة السابقة، بل راح يضفى عليهم من خلقه السمح، ومعاملته الكريمة وصفاء روحه، فقد روى أنه كان يحضر ولائمهم ويشيع جنائزهم، ويعود مرضاهم، ويزورهم في بيوتهم، ويكرمهم إذا زاروه حتى إنه فرش عباءته لنصارى نجران عندما وفدوا عليه حتى يجلسوا عليها، وكان يقترض من أهل الكتاب ويرهن عندهم أمتعته، مع أن بين المسلمين كثير من الأغنياء الذين كانوا مستعدين لتقديم أموالهم وأنفسهم له،ولكنه أراد أن يعلم أتباعه الطريقة المثلى في معاملة أهل الكتاب. (حياةمحمد للدكتور حسين هيكل 230-232ص).
خامسا – وضع أسس النظام الاقتصادي للإسلام
في هذه الفترة وضعت الأسس الاقتصادية للإسلام، هذه الأسس التي ترمي إلى أن تخلق بين المسلمين جوا من الحب والتعاون والإيثار، ووسيلتها لذلك تحقيق العدالة الإجتماعية، بحيث لا يوجد جائع يعيش بجوار متخم، وعار يرى الآخر وهو يرفل في الحرير والديباج.
والإسلام لا يحارب الغنى، ولا يحاول أن ينتقص من ثروة الأغنياء ما دام الأغنياء قد حصلوا على المال بطريق مشروع، وليس على حساب الآخرين، ويبيح الإسلام أن يؤخذ عند الضرورة من مال الغني ما يفي بحاجة الفقير أو بحاجة الدولة. وفي ظل التفكير الإسلامي الاقتصادي طالما اختفى الفقر، وتجمعت ثراوت طائلة للأغنياء، حتى كان الغنى يبحث عمن يتسلم منه الزكاة فلا يكاد يجده.
سادسا – الشورى
وضع الرسول في ذلك العهد المبكر أسس الحكم الإسلامي الذي ينبى على الديمقراطية والشورى في حدود الإطار العام، الذي حدده الإسلام للفضائل والرذائل والحقوق والواجبات، وسنرى هنا الخطوات التي اتخذها الرسول في هذا الشأن.
عنى الإسلام عناية كاملة بأمر الدين والدنيا، فهو عقيدة وهو في نفس الوقت نظام، فكما دعا الإسلام للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وضع كذلك نظما مفصلة أو قابلة للتفصيل عن مشكلات الأسرة كالزواج والطلاق والميراث، وعن مشكلات المجتمع الإسلامي كالتعاون والقضاء وقض المنازعات والمساواة، وعن مشكلات المجتمع العالمي كالحروب والمعاهدات.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم زعيم المجتمع الإسلامي الأول، وكانت في يده السلطة الدينية والسلطة الزمنية، وهو باسم السلطة من الله ويفسره إن الدينية كان يتلقى التشريع احتاج إلى التفسير، ويفصله إن احتاج إلى تفصيل، وباسم السلطة الزمنية كان ينفذ هذا التشريع، ويقود المجتمع في ظله إلى الغاية الحميدة في الدنيا والآخرة.
سابعا – سيطرة روح الإسلام على هذا المجتمع
إن روح الإسلام كانت مسيطرة على هذا المجتمع، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم باعث هذه الروح ومراكز إشعاعها، تدل على ذلك الآية الكريمة : ﴿لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ١٢٨﴾،)التوبة: 128(. فالآية هنا لم تصفه بالعدل أو الصدق وغير ذلك من الصفات التي تجب أن تتوافر في المسلم بل وصفته بما هو أكثر من الواجب، وصفته بما لا يمكن أن يوضع في كلمات أرق وأجمل من هذه العبارات السامية : رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رءوف رحيم.
لعل روح الإسلام التي يمكن أن نستنبطها من هذه الآية تتمثل في الحب، حب الله، وحب الخير، وحب المسلمين بعضهم بعضا في الله.
وإذا وجد هذا الحب بين الإنسان وبين ربه، وعبده بإخلاص وحرص على تقوية صلته به، وحينئذ لا تكون صلاته قراءة وركوعا وسجودا ونقرا للأرض برأسه، ولكنها ستكون انفلاتا من الدنيا، وخلة الله واتصالا به.
وإذا أحب المسلم الخير عمله ووجد لذة ومتعة في عمله، تفوق كل أجر وكل جزاء. وإذا أحب المسلم المسلم اختفت الحاجة إلى القوانين، وظهر الإيثار، ونعم المجتمع بحياة سامية جميلة. فالحب هو الهدف السامي، الذي يدركه من قرأ القرآن الكريم بعناية أنه أعظم ما يمنحه الله ويعطيه، وأغلى ما يحرمه ويمنعه.
وفي عصارة الكلام، قد رأينا كيف أسس النبي صلى الله عليه وسلم وطنا إسلاميا، وكيف كون مجتمعا دينيا. وقد أبدى قصارى جهوده لتأسيسه ولتكوينه حتى بقى عند انتقاله إلى الرفيق الأعلى نموذجا تطبيقيا لهما. وفي هذا العصر الراهن الذي زادت فيه الفوضى والفتن بين الناس والولاة، لا بد أن يعيدوا كلهم إلى مبادئ الرسول صلوات ربي وسلامه عليه.
ونريد أن نخلص الآن بأن المبادئ المحمدية سلاح سالم من كل سيوف مهند في حماية الوطن وفي سلامته مما عرض عليه، وكفى بالعاقل مبادئه ومواقفه دليلا وطريقا لتطوير المجتمع الإسلامي والوطن المحمدي.