بقلم: عبد الرحمن الفيضي الفانديكادي
إنّ ولاية كيرلا بقعة طيبة حظيت ببزوع فجر الإسلام منذ قديم الزمان، وقد تواصلت وفود الدعوة الإسلامية من الصحابة والتابعين والتجار المسلمين، وانتشرت العلوم الإسلامية في ديارها مبكرا، وأنجبت كثيرا من نوابغ العلماء الراسخين في فنون مختلفة، كما أنهم أكفاء يقومون بالدعوة الإسلامية، ويقودون الأمة المسلمة بفضل الله تعالى على سواء السبيل.
منهم سعادة الشيخ محمد الباقوي المشهور ب’كنجاني مسليار‘ رحمه الله، الّذي انتقل إلى لقاء الله يوم الأربعاء في تسع من المحرم ليلة العاشوراء المكرم قريبا لوقت العشاء عام 1440 هـ – (19-09-2018م)، بعد حياة مزدهرة بالعلم والتقوى، موقوفة لخدمة الإسلام والمسلمين عاما وخاصا، تغمده الله بعفوه وغفرانه، وحف روحه بروحه وريحانه.
ولادته ونشأه:- ولد الشيخ رحمه الله في الكانون الأول 29 سنة 1940 م في قرية ’أتّاني ‘ قريبة بميلاتور بمحافظة ملابرم. أرومة أسرته معروفة تصل إلى المخدوميين. وأبوه هو السيد الورع اُنّ محيى الدين مسليار كما كانت أمه السيدة أم عائشة الصغيرة رحمهما اللّه تعالى. تزوج صفية بنت محمد ’كنجفو حاجي‘ بلاكلاتيل- بكلفرمب. وورثه أربعة أبناء وبنت واحد- محمد حنيف المرحوم (أمين الصندوق لجمعية الشبان لمسلمي كيرلا سابقا)، ورشيد أحمد (عضو لمجلس الأعلى لجامعة كاليكوت، يعمل في كلية كى تى ام كارواراكندو)، وفضل الرحمن الوافي (يعمل سبل التعليميات)، ومحمد صادق، وعائشة الصغيرة المرحومة.
تلقى العلوم الإبتدائية من الكتّاب، كما هي العادة المتتابعة من قبل. حصل المبادئ للدراسة الدينية والمادية من حلقات درس الشيخ الفاضل محمد اُنّ مسليار بفلامنتول، ثم تعلم في درس الشيخ العلامة الحبر الحاج محي الدين مسليار أريفرا المعروف بمحي الدين الحاج، الذي تعلم من مكة المكرمة والمدينة الشريفة النبوية. وبعد ذلك ارتحل إلى الشيوخ المكرمين من كى. سى. جمال الدين مسليار، أو.ك. زين الدين مسليار، وكتي مسليار الفضفري نور الله مراقدهم، آمين. وتعلم من المساجد كما وضع قدمه في حقل الدراسة الإستقلالية بمسجد محله ’أدبتا،‘ ثم ارتحل إلى بلاد ومساجد شتى مثل أفيكاد، فلوكارا في كنّور، كاروواراكندو، توّور، فيناد وشاليم. وفي هذه الأوقات تلقى عددا كبيرا من كتب أصول الفقه والهندسة والهيئة وماإلى ذلك. وتعلم منهم الأساسية من النحو والصرف والفقه أي الاصل الأصيل لكل علوم. ومكن عنه الشيوخ الأفاضل لتكميل الدراسة الدرسية في تتميم من الفنون، حتى صار بحرا زاخرا بالعلم بحيث يفوق أكفائه وأترابه، ويذكر بالجميل عند الأساتذة الكرام. وامتاز من بين زملائه بفكرته الثاقبة وقوة حافظته الواسعة وقريحته الذكية ورسوخ علومه الباهرة.
إلى كلية الباقيات الصالحات:- بعد ما فرغ الشيخ من دراسته على حسب المنهج المقرر في حلقات درس الجامع، سافر إلى كلية الباقيات الصالحات للسند والشهادات مع إذن وإجازة أساتذته الكرام في سنة 1963م. ومكث هناك مع معاناة شدائد شتى حرصا على العلوم الدينية. ومما يعد من هبة الله عليه أنه طالع في هذه الفترة عددا كبيرا من الكتب من الباقيات، بالإضافة إلى ما تلقى من أفواه الشيوخ الأجلاء حتى سر بالعلم والمعرفة.
إلى حقل الدرس:- لما قدم الشيخ من كلية الباقيات الصالحات بعد ما أتم الدراسة العالية بعد اجتياز الامتحان النهائي بالدرجة العليا في سنة 1965 م قام بالتدريس أولا في المسجد الجامع ب’مديكود‘ قريب باندكاد. وبعده اشتغل بالتدريس والقضاء في مساجد شتى. وأخيرا قام بها في المسجد الجامع ب ’فتانازي‘، كما استمر الشيخ هناك على مكانة القاضي حتى انتقل إلى جوار رب العالمين.
إلى رحاب الجامعة النورية:- قضى الشيخ رحمه الله جلّ أوقاته من حياته النفيسة بالتدريس في الجامعة النورية بفيضاباد. وذلك بعد وفاة رئيس جمعية العلماء لعموم كيرالا الشيخ المرحوم محمد الباقوي المشهور ب ’كالمبادى أستاذ‘ نور الله مرقده، بعناية السيد حيدر علي شهاب (رئيس الجامعة النورية العربية)، وعمل هناك راضيا بها مع جهد وجد وافر. وقد كان يتكلم كثيرا في محاوراته ومحاضراته عن فضيلة الدروس التقليدية وضرورة إقامتها في أنحاء المعمورة. وكانت حلقات دروسه جامعة بين التعلم والتزكية كما يشهده بذلك تلاميذه المتعددة.
إلى رئاسة جمعية العلماء:- بذل الشيخ رحمه الله جهوده لنشاطات جمعية العلماء وفروعها، فلما توفي الشيخ الفاضل محمد الباقوي المشهور ب ’مانو مسليار‘ نور الله مرقده، الأمين العام لمعهد دار النجاة وللجنة التعليم الاسلامي بعموم كيرالا سابقا، حُمِّل بمنصب الأمين العام لجمعية العلماء لمقاطعة مالافرم مع أنه عضو المجلس الأعلى لجمعية العلماء، ونائب الرئيس لمعهد دار الحكم بميلاتور (والمقر تذكار دائم للأستاذ ’ناتيك موسى مسليار‘- نوّر اللّه مرقده) ولمعهد دار النجاة بكاروواركندو وغيرها.
خاصياته الفريدة الممتازة:- نرى في حياته المثالية القدوة الحسنة للمشتغلين في شتى المجال لخدمة الدين الحنيف. كما استعد للتدريس في بيته حتى يرى بهذا الأمر العظيم غريبا، مع أنها أسوة حسنة لمقر المدرس. وهذا الدرس الداري كان مؤثرا و ذا نفوذ كامل للمتعلمين والقضاة والزائرين حتى للخريجين، وانتفعوا بها لوقاية التفادي بسهولة خاصة في الموضوعات والمسائل الملتبسة، وكان ذا علم واسع عميق وفهم سريع في التحليل، وكان إذا قدم إليه المستفتون سارع إلى إجابتهم بلا تأخير ولاتأجيل.
وكان الشيخ فلاحا متفوقا، وله ثروة واسعة بفضل اللّه يبذلها في وجه الدين، و هو عالم بين الفلاّحين، وفلاّح بين العالمين، كما قال رئيس العلماء السيد محمد الجفري (متكويا تنغض) ولا يشك أحد في ما له من بصيرة فارغة بالخدمة الدينية، و وجهة النظر في اأحمور الدينية والعلمانية لأنه قارئ متفوق.
وأخيرا:- هذا وقت الحزن والألم، وقت وخزان الضمير ووجدان القلب لانه قد سقطت من بين أيدينا عدة من العلماء العباقرة و الأمراء الصالحين المكرمين الهادين للأمة المسلمة في أنحاء البلاد. كالسيد محمد نظامى (مدير الهيئة العلمية لتنسيق الكليات الاسلامية ،(CIC والسيد الفاضل محمد كويا الباعلوي (اس.ام.كى تنعض- عضو المجلس الأعلى لجمعية العلماء لعموم كيرالا)، والسيد عبدالرحمن اُنِّ كُويا تنغض –باندكاد (رئيس كلية الفاروق للشريعة التابعة لكلية جامعة النورية العربية وكلية دار العرفان التابعة لجامعة دار الهدى-تشماد وغيرها)، والشيخ الورع الأستاذ سليمان الفيضي مالياكل (العضو الأعلى لجمعية العلماء بمقاطعة ملابرم)، و سي كى محمد كتي مسليار توتا- لبوا نداء ربهم عفى اللّه عنهم وغفر للسابقين، وطول أعمار اللاحقين، ورحم للعلماء والسادات الذين كرسوا حياتهم بخدماتهم الجلية في الدراسة ، والاستعاب العلوم الدينية. جزاهم الله عنا و عن الإسلام خير الجزاء،وتقبل منا ومنهم جميعم المساعي الدينية والإغاثية ، وجعل الجنة مثوانا ومثواهم – آمين.