بقلم: محمد نواس
لقد فارق بابو الحاج -طيب الله ثراه- حياته ليلة الجمعة في 15 نوفمبر2018، متبقّيا وراءه ذكريات متلألئة، لاتزال تحفظها ولاية كيرالا في ذاكرتها مادامت الشمس تطلع والبدر يشرق، ولم يكن الراحل قائدا سياسيا فحسب بل قائدا يتحمل مسؤوليته الدينية أيضا.ودراسته قصرت على الإبتدائية، ولكن تفوق في ميدان العمل والتدبير، ومساهماته بارزة في توسيع نطاق الحزب السياسي’رابطةالمسلمين‘في إقليم كالكاو. وإنه قضى حقبة من الأيام رئيسا للحكومة القروية المحلية بكاليكاو (kalicavu grampanchayth) ممثلا لذلك الحزب، وقام بتقديم تخطيطات مختلفة بشأن تعزيز مجال التعليم والثقافة والتنمية في منطقة ’كالكاو‘.
كان له في مسار حياته من المواقف النبيلة والسجايا الكريمة، وتجرّأ على أن يبدي آراءه أمام جميع الخلق من غير خوف ولا قلق، وبالرغم من أنه كان ذا حظ وافر من الأموال المتوارثة، قضى حياته مثلما يعيش أقرانه العاميون بلا ترف ولارفاهية، وقد اهتم بإقامة علاقة إنسانية بين أفراد المجتمع، وتحطمت الحدود السياسية أمامه لمدّ جسور العلاقة الودية، كما كان بينه وبين الزعيم الشيوعي كنجالي (sagavu Kunjali) صلة وثيقة أكيدة، وأنفق نصيب الأسد من ثروته الطائلة لعدة مشروعات متقدمة، وقد تفضل واقفا بأراضيه التي أهرق عليها عرق جبينه ودماء قلبه، وتمثلت تلك الأراضي منطلقات لمبادرات عديدة، حيث ارتحل إلى جوار ربه بعد أن قرت عيناه بازدهار نتائجها المنتعشة.
قد أدى دورا بارزا في مجال التعليم والثقافة والتنمية في قريته «أدكاكند»(Adakkakudu) التي عاش فيها، وبسعيه الدائم والدؤوب ذاقت قريته ملذة التعليم والمعارف ومسرة الرفعة والمناقب. و»المسجد الجامع بأدكاكند» قد أسسه المرحوم بابو الحاج في الأرض التي ورثها هو وأخته، بعد أن وقفاهما في سبيل الله، والمدرسة الثانوية العالية الحكومية التي تسمى باسم ’مدرسة كراسانت الثانوية العليا‘ قد تحققت بغلة اجتهاده وثمار أتعابه، وهي ترفع شأو القرية وقدرها بتبوأ التحقيقات والإنجازات الفائقة، حتى إنها توقد شرر العلوم لآلاف من الطلبة من مختلف زوايا المنطقة.
فلما أحست حاجة العصر لنهضة العلم في فضاء الدين، تقدم بتبرع أرضه الواسعة لإقامة حرم الوافي الجامعي، ويتقدم إليه طلاب من كليات «الوافي» الأخرى لدراساتهم العليا، حيث يدرسون فيه متخصصين في شعب مختلفة في المواد الدينية، وهذا المنهج «الوافي» قد استحق لاهتمام بالغ من الأكادميين في بلاد الهند وخارجها. والأمر الذي يشهد لإنسانيته ورأفته، هو تبرعه من ماله وأرضه لمبادرة «حمى» (HIMA)وهي تقوم لمساعدة الملهوفين والمتشردين بسبب المرض والهرم، وهذا المشروع يبني لهم بيوتا تكفيهم ويعالجهم بالأدوية الضرورية والأساسية، ويصبح هذا أجزل مثال في مجال الخدمات اإفجتماعية والخيرية.
وكان يود أنيس تديم ملازمة الأمراء والعلماء محتفلا بتوطيد علاقة وثيقة بهم خلا لسعيه إلى الأعمال الخيرية والإجتماعية. وقد استضاف عديدا من الوجهاء وجهابذة من العلماء.وقد حظي على ملازمةالصوفي الشيخ علي حسن مسليار- رحمه الله- وقد أخذه تفاؤلا في أموره،ويعد الأستاذ كي تي مانو مسليار-رحمه الله- مرشدا له في أمور دينه ودنياه، وغدا ألزم له من ظله حتى توفي الأستاد الكريم، وكان له دور محوري معه في تأسيس المركز ’دار النجاة‘ الإسلامي بكارواركند. وهو يرى القائد السياسي بافو كركل(ايم في ايم أحمد كركل) الباعث إلى توغله إلى الساحة السياسية، ويتبع طريق سي اتش محمد كويا والسيد محمد علي شهاب في مراحل أيام سياسته، وهذه الصلة العميقة بالسادات والعلماء والأمراء تطرقت إلى ارتقاءه في الميادين المادية والدينية.
وفترته الرئاسية « للحكومة القروية المحلية بكاليكاو « تمثلت في تنفيذ برنامج الممارسات المعززة مجالات التنمية والتعليمية والأخلاقية والثقافية. وقد أقيمت في زوايا المنطقة المدارس الحكومية ومقسمات هاتفية ومراكز صحية والملاعب ومحطات الحافلات وشبكات الكهرباء وغيرها من المبادرات التي ندر مثلها في تلك الأيام العقيمة، وبشكل موجز قد لعب دورا هاما من وراء الكواليس، لكي تصبح هذه المنطقة في مسار التطوير والتنمية. وكان يقول في أواخر أيام حياته عن ثروته الوافرة التي قربها لله قربانا «والفضل والنعمة من الله تعالى وما أعطاني من خير رددته إليه بعد انقضاء حاجتي». وهكذاكانت حياته..وكفى شاهدا لقبوله بين المجتمع ذاك الحشد الكبير الذين تجمعوا في ساحة حرم الوافي الجامعي يوم الجمعة من أجل رؤية وجه زعيمهم السخي أخيرا،ولعله الآن يطيب نفسا بأنغام علمية تتصاعد على ضريحه قرب مسجد حرم الوافي الجامعي.