بقلم: مبشر بن حمزة الوافي
الجنس البشري قد أثرت فيها شخصيات عظام ذاع صيتهم عبر العالم وشاع عنوانهم طوال الكون، منهم سيدنا وسبب الكائنات محمد المصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم تأثرت أمته التي أخرجت خير أمة بمبادئه الرائعة وتعاليمه الأنيقة، وهنا شرذمة من المفكرين والمجددين لهم باع طويل في تنمية بلادهم وتوعية أتباعهم بالقيم الإنسانية والحضارة المثالية.
ومن أمثالهم السيد نلسين منديلا قائد قام بالثورة والانقلاب ضد التفرقة العنصرية في أفريقا الجنوبية والسيد نابليون سياسي ألمعي لعب دورا مهما في الثورة الفرنسية وسقراط مؤسس الفكر الغربي وفيلسوف الإغريق الكلاسيكي وأرسطو وبلاطو اللذان يعرفان برأسي الفكر والفلسفة الإغريقية وكارل ماركس صاحب الشيوعية واللادينية في العالم بأجمعه وغيرهم.
وهنا في هذا الصدد نبحث عن تعاليم القائد الأمثل إمام الحركة الاستقلالية بالهند، بلد شعاره التعددية وعلامته التنوعية تمتاز عن سائر البلدان على الكرة الأرضية بدستورها المكتوب الأكبر حجما والعلمانية روحا، هو السيد موهنداس كرم جند غاندي يحتفل العالم بيوم اللاعنف يوم ميلاده في اليوم الثاني من شهر أكتوبر أي تشرين الأول من سنة 2007 ميلادية لإعادة ذكرياته المرموقة ويومياته المنقوشة على جدران التاريخ.
وفي حياته دراسات نتجرعها وخطوات نقتدي بها للحفظ على التعايش السلمي والأمن العالمي، ولم تكن ظاهرة اللاعنف منحصرة على عدم الظلم والقتل بل وترنو إلى استمرارية المحبة حيال الخلائق قاطبة سواسية، فيها الإنسان والحيوان والشجر والمدر والأحجار، وفقا لرأي الغاندي إن نظريته هذه ليست من عادة الضعفاء والجبناء بل من أخلاق الأبطال والأقوياء.
وطفق أن يسلم على الأزياء الرسمية والرباط المشدودة على الأعناق وتدلي إلى الحياة العادية من العادات الوظيفية حتى عزم على ألاّ يرتدي بتمام جسده إلّا والهنود كلهم يستطيعون على اللبس وستر العورات، وحكى من تجربة حزينة أنه كان يسري على شط نهر من أنهار قرى الهند، فرأى امرأة تنظف ذيلا من ثوبها وهي تستر بالذيل الآخر ويلقي ما لبث على رأسه عبر الموجات وأردف أنها كانت في قمة المسرة بالحصول على هذا القماش، وترك عمامته إلى الأبد بعد.
ويرى الغاندي أن الأديان كلها منبثقة من أصل واحد ومقاصدها متجانسة بعضها من بعض، ولعلها يحدث فيها الخطأ من جانب البشر الذي من طبيعته الخطأ والنسيان، والجدير أنه ليس بديانة واحدة بل السماحة والوئام بين أهل الديانات وآصرة الأخوة بينهم، ويقول الغاندي ليس من حقي الإشارة إلى غلط الأديان ونقد الصحائف والظروف الدينية، ولكني أنا أولى بتفعيل الخيرات والقيام بالحسنات المذكورة فيها، ويقترح أن يلازم كل من الأديان هذه الأخوة والانسجام.
النبذ واللامساس وبعض الرؤيات الغاندية:
وقد ألقى الغاندي خطبة بين أيدي الطلبة من إحدى الكليات بالهند وقال: إنه ليس من المعقول إحساس الطبقات العليا بأنهم أفاضل وكرماء من الطبقات السفلى سموا بالمنبوذين والمطروحين، ولم تر العيون الطبقية واللامساس في الكتب المقدسة من «بغوت غيتا» و»أبانيشاد» و»السفر» و»الفيدا» وغيرها، وليس من المعقول تبنية الحائط من جانب الإله بين عباده تفريقا بين الأسافل والأعالي، ويؤلمني ويقلقني مثل هذه التقاليد البائدة.
وكان يذكر الغاندي أن الأستاذ إذا كان يعلم من الكتاب فلم يكن يعط للطلاب شيئا من عنده ويكون بنفسه في زنزانة الكتاب وحري بالأساتذة والطلبة قلة الكتب وعدم الاعتماد عليه، ولا بد للمعلم أن يلخص معارف كونية وبلدية حسب الاحتياجات، ويحذر من عادات رذيلة لا توافق بكرم الإنسان، وهي سياسة من غير المبادئ المختصة والمال بغير الكد والجد والتجارة بغير الصدق والأمانة والعلوم بغير الإنسانية والرفاهة التي لا تناسب الرجولة والمعارف بغير حسن الخلق.
نبذة عن حياته
ولد العبقري الغاندي لأبيه كرم جند أُتم جند غاندي وأمه فتلي بهاي في فوربندار من ولاية غجرات سنة 1869 م وكان يعمل محاميا وسياسيا وعاملا مجدا وقد تزوج بكستوربا، ومن أولاد غاندي هري لال ومني لال ورام داس وديو داس، وعرفت هذه الشخصية بعدة أسامي بين الهنود مثل بافوجي يعني الأب الكريم ومهاتما يراد به صاحب الروح العظيم لعظم شأنه.
وقد أثرت أفكاره وأعماله في العديد كما تأثر هو بعدد من المفكرين وأثر في نيلسين منديلا قائد الثورة في الأفريقا الجنوبية وأون سان سوكي قائد سياسي في بورما ومارطن لوثر كينغ خادم القوم والعامل المجد في الأمريكا لنهضة الطبقات السفلى، وممن تأثر الغاندي به جون روسكين صاحب الكتاب أن تو دي لاست «حتى الآخر»، وتعلم حقيقة الصدق والأمانة من قصص شراونا وهريش جندرا، ومن هذه القصص تحلى بالقيم القيمة من التحابب والتعاطف والصدق والإخلاص وعاش دينا هندوكيا بالفعل.
وكان يقوم بدراسة اللغة والجغرافية والتاريخ والجيبرا من مدرسة بلدية في راجقوط بعدما انتقل بأسرته إليها، وامتزجت الدراسة بالزواج فاختلت بقدر ما، وغادر إلى الإنجلترا لدراسة عليا في القانون، ثم عمل في الأفريقا الجنوبية كالمحامي من1893 م في حين يتواجه الهنود والسود التفرقة العنصرية وقام بالمحاربة طالبا حقوق العوام مرات بعد كرات وحصل على المقبولية في قلوب الهنود بالأفريقا وأعد منظمة للأنشطة الثائرة في هذا المجال.
وعاد إلى الهند للمشاركة في الحركات الاستقلالية والنهضات التحريرية حسب دعوة غوبال كرشن غوغلي القائد الرئيسي للمؤتمر الوطني للهند والتحق إلى سيادة المؤتمر إثر الاحتجاجات والدفاعات خلاف السلطنة البريطانية بنوعها ستياغرها (Sathyagraha) المعني بها الاعتكاف المديد متطلبا حوائجا مختصة وحقوقا متعينة، منها شامباران ستياغرها في 1917 وغيتا ستياغرها في السنة التالية للتسلية من الضرائب على الفلاحين والمزارعين.
ومن الجدير بالذكر أن حركة الخلافة نظمها الغاندي لاسترجاع الحرية والاستقلال من أيدي البريطانيين الذين خلفوا وعدهم بالحرية من قبل، وكانت هذه خطوة رائعة بدعامة الهندوكيين والمسلمين، ومن أشكال الاحتجاج عقد حركة عدم التعاون مع حكام البريطان وبدرت من هذه الحركة التاريخية ظاهرة سوراج يعني الهنود يعتمد على المصنوعات الهندية دون ما يتصدر من مصانع الأجانب البريطانية.
وقد أعلن إمام البريطانيين بمغادرة الهند جذريا يسمى هذا الإضراب «بحركة غادروا الهند» وترتبا على هذه الحركة اعتقل الغاندي إلى السنتين من أغسطس سنة 1942 م، وختاما للاحتجاجات والمكافحات غادر الأجانب بلاد الهند واستقلت من القبضة الماكرة والسلطة الباطشة عام 1947م في شهر أغسطس أيضا.
وضحى بنفسه وتفادى بروحه أمام تعددية الهند وتنوعيتها بأن أطلق المتطرف الهندوكي نادورام ونايك غودسي الذي اتهم عليه بمسؤولية تقسيم الوطن الرصاص عليه عام 1948م في السادس والعشرين من الكانون الثاني.