دماء تسفك، ودموع تفيض، وشهقات تتعالى، ويتامى تتنهد، وأرامل تشكو وأطفال لا يغمض لهم جفن حتى الصباح خوفا وذعرا، هكذا تمر ولاية كيرالا الهندية التي وصفت في زمن من الأزمان ببلدة الخيرات والجمال عبر لحظات مظلمة وقاسية، تسال الدماء وتقتل الإنسانية على الشوارع وعلى أم عين الأعزاء بدم بارد، فأن تمشي عبر طرقات كيرالا تعنى ذلك مغاورة، وربما تقتلك الطعنات الغادرة أو تصيبك الطلقات فلا تدري بأي ذنب قتلت أنت فكل حزب بما لديهم فرحين.
وعلى طول الليل والنهار تقام مآتم لتفخخ القلوب الجريحة وتفجرها غيظا وغضبا تجاه الآخرين، واحد يستثير الجمهور وآخر يفتي بقتل هذا وذاك، فتلك مشاهد ما كانت كيرالا تعرفها لكنها هي الحقيقة وإن كانت مرة، فالأحزاب السياسية تعدل مسارها لينجذب إليها الجمهور على أسس التطرف وإرهاب الآخرين، وفي ولاية مثل كيرالا التي تعيش فيها ملايين الهندوس والمسلمين لا بد من التعهد من كلا الجانبين للحفاظ على تحقيق السلام لأنها بلد روحها التنوع والتعدد، فلا صوت هنا للإرهاب والتطرف، فلا هنا يتربى طفل مسلم يتربص بأخيه الهندوسي ولا هنا طفل هندوسي تملى عليه دروس العنف والكراهية، وهكذا كانت كيرالا في ماضيها الجميل حتى إذا استولى عليها ملثمون وحشاشيون ليزرعوا في قلوب الأبرياء بذور الغيظ والحقد وينشروا في الساحات العامة رسائل العنف والتطرف على أساس الدين والعقيدة، ففرت من هذه الديار حمائم السلام وهاجرت من ربوعها المفضلة لتخلو الساحة لأرباب القلوب المفخخة التي تتفكر بالحديد والنار ولا تتفكر بالحوار، فمن هنا تبدأ حكايات المأسات المسلسلة، ومن هنا تسمع أنينات الأطفال الرضع، ومن هنا تعلو الصيحات من بيوت كانت كنف الحب والسلام.
والأسوء من ذلك ما تقام بعد أن فقدت العائلات أعزائها، حيث تندفع الأحزاب لتتبنى الجثث وتتاجر بها بلا أي رحمة، نعم، تقدم هنا المصلحة السياسية قبل المصلحة الإنسانية، فواحد يملأ الدنيا ضجيجا ويتباكى بل يفسر النصوص الدينية على هواه ومشتهاه، وآخر يقيم الدنيا ويقعدها مطالبا الثأر واستنقاما، فإلى أي مصير تتقدم كيرالا، فكيف وقعت في كمين نصبه الفوضويون، فلم تلتزم حكومة كيرالا بهذا الصمت الرهيب ولا تقوم بأي عملية لتفكيك هذه الخلايا الإرهابية أم إنها الأخرى التي تدعم مثل هذه العمليات البشعة تحت الكواليس، فأنى لها أن تتهرب من هذا الشباك بهذه السهولة، وكان عليها أن تكثف الأمن وتعيد الاستقرار في تلك المناطق المنكوبة قبل أن يسبق السيف العذل بدلا من كل هذه الترهات والقرارات المنفوخة التي تبث مباشرا على الهواء.
فإن ثقافة الحوار بديلا من الشجار وإفشاء السلام بديلا من استلال الحسام هي التي تبني المجتمعات من جديد، وهي التي تلملم شتاتها وتضمد جراحها، فاحترام الآخرين وتقبل آراءهم والتعايش معهم على الحب والسلام يعد الجهاد الأكبر في زمن يسوده الكلاب،
فموقف الإسلام من القتل وسفك الدماء معروف حتى لا يذكر، فللأسف الشديد تفسر النصوص الدينية والآيات القرآنية حسب ما ارتضته الأحزاب وسول لها شيطانها، والقرآن يقول ” من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”، فإن قتل النفس البريئة هو جريمة بكل المعايير مهما ارتدى الفاعل المجرم من عباءات دينية أو طائفية أو حزبية أو فكرية فإن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلب في أنيابها العطب.
فلا تغيير المجتعمات يصح بالعنف الدموي ولا تحرير الأوطان يبرر قتل الأبرياء ولا الرد على التطرف يكون بالتطرف، فالإسلام بريئ براءة الذئب من دم يوسف، ففي زمن يمارس العنف بلا ضوابط دينية ولا أخلاقية ولا إنسانية يتضاعف حجم مسؤولية المسلم المرابط على النصوص الدينية حتى لا تنتشلها الخوارجية ولا تسرقها الحشاشية ولا الباطنية التي تولد في كل فترة بغير أسماءها لكن بسماتها وفطرتها، لأن المسلم مرابط حذر يقظ على ثغور أمته، فقبل أن ننجرف وراء هذه الشعارات النارية وقبل أن نقع في هذا الفخ هيا نبني جيل إنسانيا في ذاته ونقف وقفة رجل واحد أمام هذا المد الفاشي المتغطرس، ومجلة النهضة بهيئتها وحروفها النابضة تطالب صناع القرار ومن بأيديهم ناصية الأمور للتدخل الفوري لوقف نزيف الدماء وإعادة الأمن والاستقرا وكسر شوكة العصابات المسلحة ووضع نهاية فورية لما نشهده من صراعات دموية قبل أن يتسع الخرق على الراقع.