بقلم صبغة الله الهدوي، محرر مجلة النهضة العربية
“على أرضية الهند تتحول إسلاموفوبيا إلى غول مرعب، وتقوم حكومة مودي بتفكيك منظومة الديمقراطية الهندية وتحويل البلاد إلى إثنوقراطية هندوسية”، لقد كان المفكر نعوم تشومسكي محقا في رأيه عن الأحداث الغريبة التي تشهدها الهند.
حملات مسعورة تشنها القنوات وأكاذيب تنتج من مصانع التزوير والتزييف وتسويقات مدفوعة ضد المحلات والعقارات التي يمتلكها المسلمون، وخطابات نارية من زعماء الهندوس يدعون فيها لإبادة جماعية للمسلمين، وتصريحات عنف تجوب منصات التواصل ليل نهار، ومعاول تسعى لهدم المعالم الإسلامية التاريخية، وجرافات تسحق الأحياء التي يقطنها المسلمون، وتطبيعات تستمر مع هندوتفا من قبل الأحزاب، وعنف يزيد وينقص، وفتن طائفية تكاد تنفجر، وبالفعل، تقف الهند على فوهة بركان ملتهب، داخلها يغلى ويرغى، لا صوت هنا فوق صوت إسلاموفوبيا وهندوتفا، فكل من عليها سعداء إلا المسلمين، فهم مغتربون في وطنهم، فلهم في بناء الوطن عطاء وتاريخ، منبوذون من قبل إخوتهم، وقد كانوا حماة ديارهم ورعاة ذمارهم، فهنا مضايقات أمنية تستمر، واعتقالات عشوائية تتكرر، فكل هذه من حلقات تستهدف بها السلطات الهندية التضييق على المسلمين، فإن ما وراء الكواليس أدهى وأمر.
فقد نجحت منظومة الإعلام الحكومية في صناعة جو يوقف الإسلام والمسلمين في قفص الاتهام، وذلك بنشر أخبار زائفة أو تلفيق صور مفبركة تضلل من خلالها الرأي العام حتى يتكتل هناك موج عارم يجتاح الضحايا، واحد يقول إن المدارس الإسلامية في الهند تأبى الانضمام مع الجيش بحجة أنه يحرم شرعا قتال المسلمين وعلى رأسهم مسلمو باكستان وبنجلاديش وأفغانستان، وآخر يلهث بأن المطاعم التي يمتلكها المسلمون توزع مشروبات فيها بودرات التعقيم يراد من خلالها منع الإنجابات من غير المسلمين، بل هناك من أكد بلسانه الخبيث أن “ملائكة الرحمة” التي تغادر إلى الخليج للعمل في مجال الطب والتمريض إنما تغادر من أجل المتعة والتبرج، وأن المساجد مصانع الإرهاب والتطرف فلا بد من إغلاقها ومصادرتها بل لا يكاد يسلم من هذه التهم السخيفة حتى من كان يجنح إلى الهندوس ويمد لهم يد العون ويفسح لهم مجالا في شركاته ومحلاته، فهنا قائمة الأكاذيب تدور وتطول، فالمسلمون فقط في الميدان، لقد تخلى الجميع واعتذروا وتسللوا منهم لواذا.
ففي زمن ما بعد الحقيقة حيث تستخدم الشائعات لتوجيه الرأي العام وإثارة الفتن وحشد الجماهير يزداد الوضع سوءا، كما حدث بشأن راية مسلم ليغ التي نشرها سنغ باريوار لتأجيج المشاعر المعادية للمسلمين في شمال الهند بحجة أنها راية باكستان وأن في كيرالا منطقة مستقلة يحكمها الإسلاميون لينتشر هذا الخبر المفبرك على الوسائل الإعلامية وتفاعل بها كبار زعماء آر أس أس ليشنوا حربا ضروسا ضد المسلمين، بل كانت هذه البطاقة المفضلة لدى بي ج ب في حملاته الانتخابية في شمال الهند ليتهم كونغرس براعي الإرهاب الإسلامي وأنه يوفر الغطاء الآمن لحليفه السياسي مسلم ليغ، وفعلا، كانت هذه التهمة كفيلة لقلب الطاولة وإسدال الستار على تلك الجرائم وأعمال العنف التي قام بها بي ج ب وبطانته السوء على طول المناطق التي يقطنها المسلمون.
ولمعاول الهدم خطة أخرى بشعة في الهند، فقد وصلت على أعتاب تاج محل وبرج قطب منار، تريد الانتشال وسرقة المعالم الإسلامية وتعميدها في مياه جنجا المقدسة لتولد كمعالم هندوسية من جديد، فقد انطلقت مظاهرات واعتصامات تتجه نحو هذه المعالم الإسلامية التاريخية ترافقها مزاعم لا تمت للحقيقة بصلة، وذلك أن تاج محل بني في أرض هندوسية كانت تملكها مملكة جايبور وأن اسمه كان تيجو محل ليسلبه شاهجهان ويغيره إلى تاج محل وأن في داخله غرف مخفية عن العالم تحتوي على آثار هندوسية تدل على أصوله الهندوسية كما طالت طموحات “خونة الوطن” تجاه برج قطب منار الشامخ لتحويله إلى معبد فيشنو.
فلهندوتفا رصيد مظلم في السيطرة على المآثر الإسلامية ماضيا وحاضرا كما فعلت بالمسجد البابري الأفاعيل لتدمره وتجعله معبدا هندوسيا، ولا يخفى أن هندوتفا تقوم بهذه الجرائم الشنيعة لما أدركت أنها كانت خالية الوفاض بل كانت في معزل عن رسم تاريخ الهند وفي تصميمها وتحريرها من الاحتلالات التي عاشت فعاثت في الهند بينما كان المسلمون يبنون الوطن ويحمون حوضه وأرضه ويقدمون الشهداء والدماء من أجل بناء الوطن، ففي كل ذرات الهند ترى تلك الآثار المتجذرة التي تقف بِطلتها البهية وحُلتها الأبية لتحكي العالم حجم المجهودات التي بذلها المسلمون في إعمار الوطن، فأنى لهندوتفا أن تحتكر بتاريخ الهند بل أنى لها أن تنتمي إلى تلك الخيمة المباركة التي تضم السلاطين الإسلامية والمغول والشهداء والقادة الذين كانوا خط الدفاع الأول في البر والبحر ضد الاحتلال أمثال كونجالي ماراكار وفاريان كونات كنج أحمد حاجي وبيغم حسرت محل وإخوة علي وأبو الكلام آزاد،، الذين كانوا يؤرقون مضاجع الاحتلال الإنجليزي ويقفون بصدور عارية دون مدافعه، لقد كانوا رجال المواقف والمبادئ، لقد دخلوا التاريخ والقلوب من أوسع أبوابه، فربما لا يعرف قدرهم أولئك الذين يقبعون في سراديب العنف المظلمة ولا يخرجون منها إلا للفساد والدمار، لكن التاريخ يبقى ويحيى بحروفه الذهبية ليرسم في لوحة الزمان ملاحم الأمجاد التي لا تمحوها السيول ولا تذروها الرياح.